كتير الشالتو الأيام
وقف بالقرب منى، بأنفاس لاهثة، وصوت متحشرج، وأنا أجلس على مقعدي بالحافلة. رفعت بصرى ونظرت إليه من النافذة، فقرأت " كتير الشالتو الأيام"!! وقبل أن تهدأ أنفاسه، جرجر عجلاته ومضى.
إنه قلاب نيسان، تآكل حديده، ووهنت قوته. لكن بقى صدى الجملة. وأثار في نفسي أحاسيس كثيرة، فكرت إذا كانت الأيام قد شالت منو الكتير وهو المصنوع من حديد صلب يقاوم الصدمات والإحتكاكات ويتحدى الزمن ويصارع تقلبات الجو من حرارة وبرودة وعجلاته تقاوم صلابة الاسفلت،ورغماً عن ذلك فهو يشكو قساوة الأيام وما شالته منه.
فيكف بنا نحن؟! كيف ببني البشر الذين ليس لديهم مقدرة على مقاومة تقلبات الطقس ولا تجنب أصطياد الأمراض ووهن التقدم في السن.
هذا القلاب المدعى " نيسان" قد شالت منه الأيام شبابه وقوته وجبروته. وتركته خائر الإرادة. يئن أثناء سيره تطقطق مفاصله تزغلل لمباته يتحشرج كلكسيه. يتعثر في مشيته وأحياناً يدخل في غيبوبة لا يخرجه منها سوى آسٍ ماهر يقوم بتوصيل الأكسجين وعمل رسم قلب وربما يجد الطبيب أن شيخ نيسان يحتاج إلى عملية منظار وغالباً ما يأمر بإدخاله إلى غرفة العناية الفائقة.!!
إن الأيام دائماً تختار أن تشيل الأكثر إيلاماً، والأيام لا تستأذن أحداً، ولا تطرق الأبواب عندما نقرر أن تشيل الدايراهو وهناك البعض الذى يبدو عاجزاً أمام ما تخلفه له الأيام من آلام عندما تشيل منه الدايرهو. وتعيقه أهوال الحياة وتعصف به أعاصيرها وتظل تواصل الحفر في عمق النفس.
لكن رغم هذا فإرادة الحياة لا تقهرها الأيام والأمل مصباح يضيئ حين تداهم الظلمة الإنسان الذى شالت منه الأيام كتير.