حشد الجنوبيين للانفصال .. الرسالة السرية
نعيمة بيلو
لم ينم الناس في (جوبا) عاصمة جنوب السودان، عشية الاستفتاء. أبناء الجنوب في مدن أخرى سهروا طوال الليل، يعدون الساعات، والثواني، في انتظار بزوغ شمس يوم 9 يناير 2011، الذي انتظروه طويلاً.. ليخرجوا إلى لجان استفتاء جنوب السودان في الصباح، ويدلوا بأصواتهم في عملية تتعلق بحياتهم ومستقبلهم _ اسمها: تقرير مصير جنوب السودان_ ولكن كيف حشدت الحركة الشعبية غالب ابناء الجنوب خلف ايدولوجيتها الرامية لفصل الجنوب؟، وماهو الخطاب السري والخفي الذي استخدمته لانجاح مساعيها دون أن تتيح مجال للمساعي المنأوئة الرامية للوحدة؟ تكمن الإجابة في الرسالة التي استخدمتها الحركة وخاطبت بها العواطف .. الرطانة أو اللهجة المحلية هي كلمة السر. الرطانة هي تلك اللغة التي استخدمها الجنود السودانيين حينما اجتازو القنال ( قنال السويس)، في حرب اكتوبر. استخدموها للتواصل مع بعضهم البعض، دون أن تستطيع أجهزة العدو الإسرائيلي فك طلاسمها (رطانة الدناقله)، فحققت القوات المصريه آنذاك النصر بمساعدة (رطانة الدناقلة) حسب الرواية التي تتدأولها أجهزة المخابرات هنا وهناك. ومن هنا يمكن وصف هذه الحالة كمعيار لقياس الوضع الراهنه أمامنا، فقضية الاستفتاء والرسائل التي اتخذها شريكا الحكم الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني لاستقطاب المواطن الجنوبي، فخاطبت الحركة المواطنين برسالة سرية غابت عن أجهزة الحكومة، وأجهزة المؤتمر الوطني لأنها استخدمت فيها لغة هي سرية بالنسبة للمؤتمر الوطني، لأنه لايدرك طلاسمها، كما استغلت الحركة الشعبيه سلطة السلاطين على المواطن الجنوبي فالسلطان مطاع، ورسالته أوامر لاتقبل النقاش ولا الرفض. تكرار السيناريو إلىوم يتكرر ذات سيناريو (قناة السويس)، فالحركة خططت بدقة لأهدافها منذ أمد بعيد، واستعانت بخبراء لهم إلمام كافٍ بطبيعة المواطن الجنوبي، والتركيبة الاجتماعية. ويري القيادي بالحركة الشعبية (أتيم قرنق)، أن الموتمر الوطني استخدم الحرب النفسية طيلة سنوات الحرب، عبر وسائل الإعلام المختلفة، وبعد انتهاء الحرب لم يسعى لإزالة الآثار التي وصفها بالسالبة. ويزيد في الحديث أن سكان الجنوب ساندوا الحركة الشعبية خلال سنوات الحرب، وهم يثقون في الحركة ويضمنوها، وهي تراعي مصالحهم. إلى جانب ذلك، أن الإعلام في الشمال لايدرك شيء عن المواطن الجنوبي وثقافتة، وبيئتة، ويخاطبهم بمفهوم الإنجليزي. ويبين (أتيم قرنق)، لابد من فهم المتلقي الذي توجهه له الرسالة والتعرف على ثقافته (ما يحب وماذا يكره؟)، فلا يعقل أن يخاطب البوذي الشخص المسلم بثقافته البوذية، ويأمل أن يتفهمه ولا العكس. وعن سؤالنا له عن تدهور أوضاع المهاجرين إلى الجنوب فرد، متسائلاً ماذا كان ينتظر المواطن الجنوبي من الحركة أن تسكنهم في القصور والفنادق؟ وأضاف على أي مواطن العودة لقريته، ومهمة حكومة الجنوب توفير الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى التجارة الرائدة، وقطع الأراضي. من هنا ندرك الحركة الشعبيه كانت أذكي من المؤتمر الوطني، حينما استخدمت الأسلوب التقليدي (الاتصال المباشر)، واستغلت كل مزاياه، وبالضرورة استخدمت طبيعة المجتمع الجنوبي فارسلت رسالة سرية بواسطة من وثق فيهم المؤتمر الوطني نفسه، وأطلقت عليهم قطاع الجنوب بالمؤتمر الوطني. أنهم ياسادتي السلاطين الذين هم في الظاهر مع المؤتمر الوطني، لكنهم بقلوبهم مع الحركة الشعبيه يتواصلون معها بلغة بعيده عن إدراك المؤتمر الوطني، فالحركة الشعبية مرّرت رسالتها عبر السلاطين_ حسب مصدر مقرب جداً من دواخلهم_ مضمونها هو الاشتراط على أن المواطن جنوبي إذا لم يكن متواجداً يوم التاسع من يناير في الجنوب سيفقد حق المواطنة في دولة الجنوب القادمة. ورساله أخرى لكل مواطن ينوي العودة إلى الخرطوم بعد وصوله الجنوب سيكون عرضة للانتقام من الشمال، لأنه لن يقبل بقيام دولة الجنوب (الجديده). لهذا أصبحت المدينه خاليه من سكان الجنوب، وانكشف ذلك ليلة الاحتفال بأعياد الميلاد، حيث خلت الشوارع من مشاهد الجنوبيين وهم يجوبون الشوارع في شكل جماعات يغنون، ويرقصون، حتى الحضور في الكنائس. كان ضعيفاً في كرري، وأمبده، وغيرها حتي الكنيسة الكاثولوكية بشارع النيل خلت تماماً من قيادات الصف الأول عدا ياسر عرمان الذي _ يمثل قطاع الشمال _ كان أول ضحايا دولة الجنوب القادمة، وبعد رحيل صاحب فكرة قطاع الشمال بالحركة جون قرنق، الذي ظل يدعم فكرة وجود الشماليين بالحركة الشعبيو لأنه كان يحلم بحكم السودان بأسره، لا الجنوب لوحده. ممارسة الإغراء يتهم القيادي بالمؤتمر الوطني ربيع عبد العاطي الحركة الشعبية بممارسة سياسة الإغراء، والتمنيات، لقيام دولة. وهذا في حد ذاته رسالة ضعيفة، وقال (يمكن أن تزرع ولا تحصد، معللاً ذلك إلى أنك استخدمت ثمار غير صالحة)، ويقول لابد أن تحتوي الرسالة على جوهر وحقائق، ولكن لاتقوم على المخادعة، والإغراءت. وإذا حدث انفصال هذا لايعني أن هنالك دولة لأنها تقوم على أساس ( هش ولين)، وسوف يكون الانفصال أقل حادث تواجهه. سر العودة تحدث لي أحد العاملين في ترحيل العائدين إلى الجنوب _ فضل عدم ذكر اسمه خوفاً من على مصالحه التي ارتبطت بالجنوب _ فأقر بوجود سر في عملية الهجرة إلى الجنوب، وقال إن السائقين الذين قادوا السيارات إلى هناك لم يجدو في أرض الواقع أماكن لاستقطاب العائدين، وفوجئوا بالوعود الكاذبه فلم يجدو (الجنة)، التي وعدوا بها كأنهم لا خيار لهم سوى مواجهة مصيرهم، لأن (البحر خلفهم) ولا تفكير في العودة، يذكرهم بالرسالة السرية التي نقلها لهم السلاطين (الشمال سينتقم منكم في حال إنفصال الجنوب). وسالناه أن كان الجنوبيون الذين هاجروا إلى الجنوب يمتلكون منازل بالخرطوم؟، أجاب أن أغلب الجنوبين ماعدا دار السلام، أمبده، ودار السلام، جبل أولياء، وسوبا، يسكنون بالإيجار. وهنالك مجموعه محدوده ذات صله بالقائد (فاولينو ماتيب) تملك منازل بمنطقه الكلاكلة ، بعضهم من اصحاب المنازل المتواضعة وقاموا ببيعها. لكن اصحاب المنازل المشيده بصورة جيدة لم يقومو ببيع منازلهم، لأن السعر المعروض قليل مقارنة بقيمة المنازل لذلك، فضل أغلبهم أخذ متاعه والذهاب للجنوب. الاندماج والخيارات مابقى في الخرطوم هي العائلات الجنوبية العريقة التي أصبحت مرتبطة بالشمال بصورة حتمية، مثال لذلك المهنيين، الاطباء، والمهندسين، والمعلمين، والقانونيين، الذين أصبحت لهم أملاك واندمجوا تماماً في المؤسسات القائمة... فهؤلاء لم يفكرو مجرد تسجيل اسمائهم في سجل الاستفتاء، لأنهم بصراحة الأمر لايعنيهم، وليس في نظرهم خيار آخر غير البقاء في الشمال. المقتدرون أرسلوا ابناءهم إلى خارج البلاد لمواصلة التعليم، لأن الجنوب خالٍ حتى الان من أي خدمات، وأغلب القانونيين ذهبوا لمنطقة شمال بحر الغزال. وقال مازال هناك بقية من ابناء ولاية الوحدة الذين ارتبطوا بالعمل في مجال المباني، فأغلبهم مرتبط بمقأولات، وعقودات في الشمال، لكن في نية حكومة ولاية الوحدة أن تستمر عملية العودة إلى الجنوب حتى إلى مابعد الاستفتاء. إنفاق صفر الرسالة السرية لم تكلف الحركة الشعبية أموالاً ضخمة، في حين أنفق المؤتمر الوطني عبر إعلانات مجلس السلام والوحدة، مئات الملايين للإعلانات الصحفية التي تحث الجنوبيين للتسجيل، وجاءت النتائج متواضعه للغايه. وذهب (بول ليلي) رئيس مجلس السلام والوحدة، إلى أن الاستفتاء حق دستوري للمواطن الجنوبي، والشركين منذ توقيع اتفاقية نفاشا اتفقتا على أن تكون الوحدة هي الخيار الأفضل للسودان، ولكن عن استشهاد صاحب البرنامج الدكتور قرنق أصبح هنالك ضبابيه. الحركة الشعبية حرّضت المواطن الجنوبي بطريقة خاطئة، يرجع هذا إلى أن مستوى الوعي عن الشعب الجنوبي منخفضة، نسبة إلى سنوات النزوح. وهذا أدى بدوره إدخال الرعب وسط الجنوبين. ويرى الرسالة التي وجهت للجنوبين، رسالة أجنبية وإسرائلية، وهدفهم التدخل في السودان. وقد تكون الحركة كسبت الجولة القادمة. ولكن يظل هناك سوال، لماذا توضع الدبابات والجيوش لحراسة الناس العوددة إلى الشمال؟ وقال ليلي: الآن يعيش المواطنون الذين هاجروا، حالة من البؤس، فأبسط الأشياء يفتقدونها. إلى جانب ذلك ترتفع نسبة الوفيات في الأطفال، والشيوخ، وبهذا على الحركة أن تدرك أنها خلقت كارسة إنسانية وسياسية.. وقال، نحن نتحمل بعض الأخطاء في الخمس سنوات التي خلت، حينما تركنا الجنوب للحركة تسرح، وتمرح، في الجنوب لوحدها.[left][center]