قبيلة الهدندوة

هي أكبر قبيلة بجاوية بالسودان ولا يتفوق عليها في الغنى أو كبر مساحة الأرض وكثرة الإبل والمواشي غير بني عامر (قبل احتلال الطليان لإرتريا التي أصبحت حكومة فيدرالية مع إثيوبيا).
وأراضي إرتريا جمعيها خصبة جداً وأنهارها جميعها تصب في أراضي الهدندوة فالقاش، وبركة وسائر النهيرات تحتاج لأيدي عاملة من القبيلتين وهذا ما لا يمكن تحقيقه في القريب العاجل.
واشتهر الهدندوة بالتعصب الديني وكراهية كل من لا يدين بالإسلام سواء أكان نصرانياً أو يهودياً أو بوذياً أو وثنياً وهم يطلقون عليه (كافر).

وأحياناً يطلقونها على كل شديد الحمرة ومراراً ما حاول الإنجليز تفهيم عامتهم بأنهم غير كفار، بل لهم دين، ولكن لم يفد وبقى إسمهم إلى اليوم كما أسلفنا، فحاربوا الحكم التركي عدة سنتين (من سنة 1838م) عندما أراد أحمد باشا أبو ودان فتح بلاد التاكا فلما انقضى عهده ونادى الأمير عثمان دقنة بقتال المستعمر الأجنبي.
كانوا هم أول قبيلة انقضت سيوفها وسنت حرابها وخناجرها لنصرة الدين وعدم دفع الجزية التي لا تجبى من المسلمين. ولم يكن الأمير عثمان غريباً عليهم فهو ابن بنتهم ومن أعلم الناس بكتاب الله وسنة سيد المرسلين في عصره، وهو خطيب المحافل جهوري الصوت قوي النبرات.

وللأمير تأثير عجيب على مستمعيه فهو ينتقي الألفاظ. التي تأخذ بمجامع القلوب.
ويعرف عن عموم قبائل البجة كراهيتم لكل أجنبي لأنه لم يأت إلى ديارهم إلا ليلتقط من أفواههم لقمة العيش ولا يقدر على ذلك إلا كل من تفوق عليهم بالعلوم والمعارف التي حرمهم منها كل المستعمرين حتى الحكومة الوطنية الاستقلالية (من عام 1954م) إذ فتحت في ظرف أربع سنوات أربع مدارس وسط بمديرية كسلا، بينما فتحت في الشمالية أكثر من خمس عشرة وكلها وسطى .

قال محمد بك موسى بن إبراهيم بن محمد بن موسى بن ويل علي بن محمد ابن ويل علي بن موسى بن محمود بن أحمد باركوين (باركين) ابن محمد المبارك الذي هو جد عموم الهدندوة، فقد حضر من الحجاز ومعه فريقان عن طريق مدينة عيذاب، وصار ينتقل في أحياء قبائل البجة وقراها حتى حط عصا التسيار في جبل أوكر (OWKER).

وما حداه لهذا التنقل وتكبد المشاق إلا بحثه عن ابن عم له من الفقهاء يدعى (عبد الله بن محمد) جد الاباس (ABAIS) وتعريبها العبابسة إذ علم من حجاج السودان أنه رجل مشهور بالتقوى والصلاح وله مسجد كبير لتدريس القرآن مع قوم من البجة تزوج منهم وبدأ في نشر تعاليم الدين الإسلامي بينهم.
وفيما محمد المبارك . مقيم في قرية أو وكر وفد عليه أحد تلاميذ ابن عمه المفقود يقرأ القرآن ويتعلثم في العربية، فدار بينهما حديث علم منه المبارك أن ابن عمه عبد الله محمد تزوج بامرأة من البجة في أر كويت ورزق منها ولداً سماه السكوتي وبنتاً. فطلب المبارك من التلميذ أن يرشده إليه فسار معه ورفيقاه حتى وصلا أركويت، وتم التعارف بين الأهل. واقترن المبارك بابنة عبد الله، واستمروا في مكانهم يؤدون رسالة الإسلام. ورزق المبارك ولداً فسماه أحمد.

وفي أحد الأيام طلب المبارك من عبد الله أن يرحلوا إلى شواطئ البحر من الجبال، فنزلوا حول سواحل جبل أستوربا (ضواحي الشيخ برغوث) وتعريبها الجبل الأسمره. ثم رست إحدى السفن الميممة للحجاز بالساحل، فطلب محمد من أخيه أن يرحلوا عليها إلى المشرق. فأجابه عبد الله بأني استخرت الله كثيراً فوجدت أن البقاء هنا في (بر المجم) أي الضفة الغربية من البحر الأحمر خير لنا من المشرق. وكذلك قال ابنه محمد السكوتي،

واحتج بضيق السفينة عن حمل مواشيهم. فنزل المبارك على رأيهما وعادوا إلى أركويت، وعاد السكوتي إلى سواكن. أما المبارك فإنه رحل إلى جبل أوكر بزوجه وابنه أحمد وإلى اليوم لا تزال ذرية عبد الله العباسي وابنه محمد السكوتي بأركويت وسواكن، ويقال لهم (أبابسة) (Ababsa) أي عبابسة، غير أنهم أقلية ضئيلة بالنسبة لبني عمهم أبناء باركوين.

اشتهر محمد المبارك بالبأس والشهامة فنال من رؤساء البجة لقب: (وَهَدأ)، وكان محل احترامهم وإجلالهم لأنهم لايعرفون العربية، وصارت معنى للرئاسة والزعامة، واشتهر به وأضيف إليه كلمة دِوَة (Dewa) وتعربيها (بيت). أو (أهل) أو (آل) فعرفعت ذريته في هذا الإقليم باسم هديدوة ولكن غلب عليها النطق المحرف على الصواب فاشتهرت به القبلية وهو قولهم هدندوة (Hadendwa) وبعضهم ينطقها هِندِوة (Hendewa).

وأما الحباب وبني عامر وبني عامر والحماسين فينطقونها هرنرة (Haranrewa)، وبعضهم جهلاء فيطلقون على كل من يتكلم البجاوية من الأمازار أو البشاريين أو بني عامر خور بركة هدندوة. وهؤلاء أرفعهم في الخطأ نوى ديارهم لأنهم غالبية سكان إقليم البجة في السودان، واشتهروا في كل حوادث السودان التاريخية منذ أيام السلطة الزرقاء. ونحن اعتمدنا كلمة هدندوة لشهرتها في مؤلفات من سبقونا وقربها الصواب.
إذ لم يرزق من بنت عبد الله إلا ابنه أحمد باركوين الذي رحل في أحد الأيام إلى سواكن، (قال محمد بك إنها كانت تابعة لمملكة الفونج) لزيارة محمد السكوتي. فمكث هناك زمناً ليس بالقصير. وفي أحد الأيام جاء رجل من الكميلاب من الشيخ برغوت بنت عربية وقدموها إلى مندوب ملك الفونج. فلما استنطقت قالت إنها ابنة الشريف محمد العلوي حضرت في سفينة الحجاز مع والدها وأهلها. فنزلوا في أحد المراسي وهبطوا إلى البر، وإذا بعاصفةٍ شديدة يتخللها هواء كثيف حال دون مشاهدتهم للبعض، فتسابقوا إلى السفينة.
وأما هي فقد ضلت الطريق فبقيت في مكانها جامدة حتى صفا الجو وهدأت العاصفة، فلم تجد أثراً لأهلها ولا للسفينة. فسارت في الأرض الفضاء . لاتدري أين تتجه حتى أظلم عليها الليل، فشاهدت ناراً موقدة مؤملةً أن تجد حولها أناساً، فلما بلغتها وجدت هي هؤلاء الرجال (كَميلاب) الذين أكرموها وأحضروها إلى سواكن. نعرف الجمع أنها هاشمية علوية. وأمر المندوب الفونجي بإدخالها إلى العائلة (وقال أما أنتم أيها الكميلاب فقد رفعت عنكم أداء زكاة ثلاثة أعوام).
وانتشر الخبر في المدينة، وسمه باركوين، فتحايل حتى ضم نفسه ضمن حاشية المندوب واتصل بالحريم خصوصاً العلوية التي أنهكها البكاء والنحيب، ودبر معها أمر الفرار، وهيأ لها طريق الخلاص من الاعتقال، واستعان بالسكوتي في إعداد الرواحل فاتفقا، وأنس باركوير الغفلة من حراس القصر فهرب بالعلوية إلى جبل أوكر حيث يقيم والداه، واستقر هنالك، ثم تزوج بهدآت العلوية، واعتنوا بتربية المواشي، ولم تكن لهم أي سلطة على قبائل البجة التي بدأو بنشر الدين الإسلامي بينها، وكل من أسلم كان ينضم إلى قريتهم بأهله.
أما زعامة البجة فكانت بيد ملكهم المدعو شكيتل البلوبي يقيم بقري سنكات. وبعد عدة سنين انتقل الشيخ المبارك إلى جوار ربه ودفن بحبل أوكر وقبره مشهور هناك. وفي إحدى السنين زارهم الشيخ عبد الله بن أحمد العباسي ثم مرض وتوفى عندهم.